شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
فضل الصحابة
27- وخير هذه الأمة بعد نبيها؛ أبو بكر الصديق اسم> ثم عمر بن الخطاب اسم> ثم عثمان بن عفان اسم> نُقدم هؤلاء الثلاثة كما قدَّمهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا في ذلك.
28- ثم بعد هؤلاء الثلاثة أصحاب الشورى الخمسة: علي بن أبي طالب اسم> وطلحة اسم> والزبير اسم> وعبد الرحمن بن عوف اسم> وسعد اسم> كلهم يصلح للخلافة، وكلهم إمام، ونذهب في ذلك إلى حديث ابن عمر اسم> رسم> كنا نعد ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي وأصحابه متوافرون: أبو بكر اسم> ثم عمر اسم> ثم عثمان اسم> ثم نسكت متن_ح> رسم> .
29- ثم من بعد أصحاب الشورى أهل بدر اسم> من المهاجرين، ثم أهل بدر اسم> من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قدر الهجرة والسابقة أولًا فأولًا.
30- ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القرن الذي بُعِثَ فيهم كل مَن صَحِبَه سَنَة أو شهرًا أو يومًا أو ساعة أو رآه فهو من أصحابه، له من الصحبة على قدْر ما صَحِبَه، وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر إليه نظرة، فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذين لم يَرَوْه، ولو لقوا الله بجميع الأعمال؛ كان هؤلاء الذين صحبوا النبي-صلى الله عليه وسلم- ورأوه وسمعوا منه، ومن رآه بعينه وآمن به ولو ساعة أفضل -لصحبته- من التابعين ولو عملوا كل أعمال الخير .
تكلم العلماء في العقائد على الصحابة، وذلك ردًّا على الرافضة الذين يُكفرون أكثر الصحابة، وسبب ذلك أن الرافضة لما اعتقدوا في علي اسم> -رضي الله عنه- اعتقدوا فيه هذه العقيدة السيئة، وهو أنه أولى بالخلافة من الصحابة الذين قبله، وهم أبو بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> ورووا أحاديث مكذوبة في أنه وصيّ النبي -صلى الله عليه وسلم، وأنه الذي أوصى إليه، عند ذلك لما عرفوا أن الواقع يخالف ما ذهبوا إليه؛ اعتقدوا أن أبا بكر اسم> وعمر اسم> وعثمان اسم> كلهم مغتصب، اغتصبوا ما ليس لهم من هذه الولاية وهذه الخلافة، وخطّئوا الصحابة الذين بايعوهم، واعتقدوا أن عليًّا اسم> مظلوم؛ حيث أُخذ منه الأمر، وهو أولى بالإمامة وأولى بالخلافة.
ولم يقفوا عند هذا الحد، بل اعتقدوا كفر هؤلاء الصحابة، واعتقدوا أنهم ارتدوا، وطبق عليهم الحديث الذي فيه: رسم> إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك متن_ح> رسم> . وأخذوا يجمعون أو يلفقون من الأكاذيب عليهم ، فاحتاج أهل السُّنّة إلى أن يردوا هذه الأكاذيب، فاعتنوا بالأحاديث التي في فضائل الصحابة، وبينوا أن ترتيب الصحابة في الخلافة هو ما وقع أن أحقهم بالخلافة حقًّا هو أبو بكر اسم> الذي سموه خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجمعوا على ذلك دون أي اختلاف، وبايعه الصحابة كلهم؛ وذلك لأنه -صلى الله عليه وسلم- رضي به خليفة في حياته في الصلاة لمّا مرض، قال: رسم> مُروا أبا بكر اسم> فليصل بالناس متن_ح> رسم> هكذا قال: رسم> مُروا أبا بكر اسم> متن_ح> رسم> مرارًا، ولما أن رسم> بعض نسائه -عليه السلام- قلن له: لو أمرت عمر اسم> ؟ قالته عائشة اسم> ثم حفصة اسم> فقال: مروا أبا بكر اسم> فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف اسم> متن_ح> رسم> فصلى بهم أبو بكر اسم> تلك الأيام التي كان فيها -صلى الله عليه وسلم- مريضًا، واستمر ذلك.
ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- اتفقوا على بيعته كإمام وخليفة عليهم، وقالوا: رضينا لدنيانا من رضيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لديننا، أي أنه لما استخلفه للصلاة، فإنه أحق بأن يكون خليفة في الولاية العامة، فاتفقوا عليه ولم يختلفوا.
والأحاديث التي في فضله -رضي الله عنه- كثيرة، ذكر أكثرها الإمام أحمد اسم> في كتابه الذي سماه: (فضائل الصحابة) وكذلك الأحاديث التي في فضل عمر اسم> وعثمان اسم> وعلي اسم> -رضي الله عنهم-.
فأهل السُّنّة يترضَّون عن الصحابة جميعًا ويعتقدون أنهم أفضل هذه الأمة التي هي أفضل الأمم، وأفضل قرونها القرن الذي بعث فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفضل أولئك القرن الصحابة، وأفضل الصحابة رأس> الخلفاء الأربعة، وأفضلهم أبو بكر اسم> فهو أفضل الأمة بعد نبيها، هكذا اتفق على ذلك أئمة السلف، وأئمة أهل السُّنّة، وفيه الحديث عن عبد الله بن عمر اسم> قال: رسم> كنا نقول ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حي: أبو بكر اسم> ثم عمر اسم> ثم عثمان اسم> متن_ح> رسم> رسم> فيبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينكره رسم> لا ينكر هذا الترتيب الذي هو ترتيبهم في الفضل.
وقد تواتر عن علي اسم> -رضي الله عنه- أنه كان يخطب ويقول: أفضل هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر اسم> ثم عمر اسم> . مشهور ذلك عنه من طرق متعددة.
ولكن الرافضة قوم بُهْتٌ، لا يقبلون من كلامه ما يخالف معتقدهم، مع أنهم يعتقدون فيه الولاية والصدق، ولكن لما خالف ذلك معتقدهم، ردوا هذا الدليل الواضح الذي هو من كلامه -رضي الله عنه-.
وعهد أبو بكر اسم> -رضي الله عنه- في آخر حياته وعند موته بالخلافة لعمر اسم> وقَبِل ذلك الصحابة وبايعه الصحابة -رضي الله عنه- فأجمعوا على بيعة عمر اسم> وكونه هو الخليفة الثاني، وهو أول من سُمِّي بـ (أمير المؤمنين)، وبقي في الخلافة عشر سنين إلى أن قتله أبو لؤلؤة اسم> أصيب المسلمون بقتله، كأنه لم يحصل لهم مصيبة مثلها بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- واستمر -رضي الله عنه- بالخلافة هذه المدة وهو متقن لهذه الولاية، وعادل بين الأمة، وسائر فيهم أتم السيرة وأحسنها.
ثم بعده بيعة عثمان اسم> وأنه هو الخليفة بعده، ولم يزل كذلك إلى أن قتله الثُّوَّار الذين ثاروا عليه، ولما قُتِلَ لم يكن هناك أولى من علي اسم> -رضي الله عنه- فتمت له البيعة، إلا أن أهل الشام اسم> توقفوا عن البيعة حتى يُمَكِّنَهُم من قَتَلَة عثمان اسم> وانفصلوا، وحصل القتال بين أهل الشام اسم> وبين أهل العراق اسم> وتمت الخلافة لعلي اسم> في العراق اسم> والحجاز اسم> وفي اليمن اسم> وفي خراسان اسم> وانفصل الشام اسم> ثم مصر اسم> وصار في ولاية معاوية اسم> إلى أن قُتِلَ علي اسم> -رضي الله عنه-.
ولمَّا قُتِلَ تولى بعده ابنه الحسن اسم> نصف سنة، ثم تنازل عن الخلافة وسلَّمها لمعاوية اسم> .
وبكل حال، فالصحابة -رضي الله عنهم- هم خير قرون هذه الأمة، وهم أولى بأن يُترحم ويُترضَّى عنهم؛ وذلك لسبقهم إلى الإسلام، ولفضلهم وفضائلهم التي لا يدركها غيرهم، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: رسم> لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أُحد اسم> ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه متن_ح> رسم> إذا كان الذي ينفق مثل جبل أحد اسم> من الذهب مع كثرته وكونه بهذا القدر من المال لا يبلغ نفقة أحدهم إذا أنفق مدا وهو ربع الصاع أو نصف المُد، دلّ على أن نفقاتهم وأعمالهم لا يدركها من بعدهم.
وبلا شك أن كل من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمنًا به واستمر على إيمانه إلى أن مات وهو على ذلك أن له فضل الصحبة، فضل كونه قد صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وشهد له بالرسالة، وبايعه، أو رآه فهو من أصحابه، فله هذه الميزة، وله هذه الفضيلة، ولا يدركهم غيرهم.
ثم بعدهم التابعون، نؤمن بأن أفضل الأمة بعد نبيها رأس> أهل القرن الأول، والذين هم الصحابة، ثم بعدهم تلامذتهم وأبناؤهم، الذين تعلَّمُوا منهم، والذين أسلموا على أيديهم.
ثم بعد التابعين تابع التابعين، ودليله قوله -صلى الله عليه وسلم- رسم> خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم متن_ح> رسم> فذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، وسكت عن الباقي، هذا دليل على أن القرون الثلاثة هي أفضل قرون هذه الأمة؛
ولأجل ذلك كان الحق فيها ظاهرًا والسُّنّة فيها ظاهرة، وأهل السُّنّة ظاهرون والمبتدعة أذلة.
ولم يتمكنوا -أي المبتدعة- إلا في القرن الرابع وما بعده، فإنهم تمكنوا، وكثر الذين أنكروا كثيرًا من السُّنّة، وتمكن المعتزلة والجهمية وأتباعهم، وكذلك القدرية والجبرية وسائر المبتدعة والشيعة ونحوهم، تمكنوا في تلك القرون وصار لهم ولاية في العراق اسم> كدولة بني بويه، وفي الشام اسم> كدولة من سموا أنفسهم فاطميين، وهم بنو عبيد ونحوهم، لم يزالوا كذلك إلى أن أراح الله منهم العباد، ولكن تأثيرهم في تلك البلاد وبقايا سننهم لا تزال إلى الآن، وأبقى الله -تعالى- من أهل السُّنّة مَن يردُّ عليهم، ويُبين باطلهم.
فيعتقد المسلمون فضل الصحابة، ويعتقدون أنهم خير قرون هذه الأمة، وأن هذه الأمة أفضل القرون.
أمَّا ما يُلَفِّقه الرافضة على الصحابة، من أنهم فعلوا كذا وأنهم فعلوا كذا، وأن أبا بكر اسم> فعل، وأن عمر اسم> فعل، يطعنون في أبي بكر اسم> -مثلا- بأنه أقرَّ خالدًا اسم> وأنه يُسمِّي خالدًا اسم> سيف الله، وأن خالدًا اسم> يطعنون فيه أنه قتل مالك بن نويرة اسم> وأنه تزوج امرأته في تلك الليلة التي قتل فيها دون عدة، وأن أبا بكر اسم> أقرَّه، وقال: عجزت النساء أن تلد مثل خالد اسم> يقولون هذا من الطعن في أبي بكر اسم> وهذا كذبٌ صريحٌ.
خالد اسم> -رضي الله عنه- أنزَه وأفضل من أن يتزوج امرأة في عدتها، أو يقتل رجلاً مسلمًا لأجل امرأته، هذا كله من أكاذيب الرافضة على هؤلاء الصحابة.
وأما كذبهم على عمر اسم> بأنه تخلف عن جيش أسامة اسم> .
فنقول: أبو بكر اسم> هو الذي منعه؛ وذلك لأنه اعتبره وزيرا لا يستغني عنه، وأرسل جيش أسامة اسم> وذهبوا إلى ما ذهبوا إليه،ورجعوا سالمين غانمين.
وكذلك أيضًا طعنهم في الصحابة بأنهم تولَّوا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين اسم> في قوله -عز وجل- رسم> ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ قرآن> رسم> .
نقول: الله -عز وجل- عذرهم، والنبي- عَذَرَهُم، وذلك لما أن المشركين نفحوهم بكثرة النبل انهزموا بقوة، ثم لما دعاهم رجعوا إليه، ولم يذكروا مَن الذين بقوا معه، ولم يَرِد أن عليًّا اسم> -رضي الله عنه- من الذين ثبتوا معه، فلا شك أنه ثبت معه العباس اسم> والحارث بن عبد المطلب اسم> وأمّا أن الذين انهزموا كلهم ضلال وكفار ومنافقون، فهذا بلا شك كذب على الصحابة -رضي الله عنهم-.
ويطعنون في الصحابة بأنهم تركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- قائمًا يوم الجمعة، في قوله عز وجل: رسم> انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قرآن> رسم> .
نقول: وهذا أيضًا ليس بطعن، فإننا نتحقق أنهم رجعوا، وليس عندنا يقين أن عليًّا اسم> من الذين بقوا، حتى يمدحوه، حيث إنهم يمدحون عليًّا اسم> فقد يكون داخلا في الذين خرجوا، ونتحقق أنهم خرجوا، ثم رجعوا وأكملوا الصلاة معه -صلى الله عليه وسلم، وذكَّرهم الله بقوله: رسم> قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ قرآن> رسم> .
وبكل حال فتلفيقاتهم وأكاذيبهم كل ذلك مما يُمَوِّهُون به على الناس، وهم في الحقيقة أبعد عن أن يكونوا أهل حق وصواب.
مسألة>